ما هو الفرق بين قداسة الله وقداسة الإنسان؟
ما هو الفرق بين قداسة الله وقداسة الإنسان؟ وهل شهد أحد لقداسة السيد المسيح الفائقة؟
ج: الله وحده الحائز صفة القداسة الفائقة، فقداسته الإنسان مهما سمت وتعالت فهي قداسة نسبية لأنه لا يوجد إنسان لا يخطئ، قال سليمان الحكيم ” لأنه ليس إنسان لا يخطئ” (1مل 8: 46) .. ” لأن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم” (أم 24: 16).. ” لأن لا إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحًا ولا يخطئ” (جا 7: 20) وقال داود النبي ” الرب من السماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله. الكل قد زاغوا معًا فسدوا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد” (مز 14: 2، 3) وقال أشعياء النبي ” كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه” (أش 53: 6) ويوحنا الحبيب يقول ” إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا” (1يو 1: 8) فليس إنسان بلا خطية ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض، حتى الأنبياء جميعًا كانوا تحت الضعف، فلم يكن أي نبي معصوم من الخطأ إلاَّ في حالة إبلاغه الرسالة الإلهية شفاهة أو كتابة ” من هو الإنسان حتى يزكو أو مولود المرأة حتى يتبرَّر. هوذا قديسوه لا يأتمنهم والسموات غير طاهرة بعينيه” (أي 15: 14، 15) والله في قداسته يبغض الخطية ولكنه يحب الخاطئ ويدعوه للتوبة، والله نور لا تثبت أمامه الخطية لأنها ظلمة شيطانية.
وكما إن قداسة الإنسان نسبية، فهي أيضًا مكتسبة. أما قداسة الله فهي قداسة كامل وذاتية، والله القدوس قد أوصى شعبه قائلًا “إني أنا الرب إلهكم فتتقدَّسون وتكونون قديسين لأن أنا قدوس” (لا 11: 44) ” وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب” (لا 20: 26) وصلت حنة أم صموئيل قائلة “ليس قدوس مثل الرب” (1صم 2: 2) وأوصى الرب موسى ليوصي هرون وبنيه قائلًا “ولا يدنسوا أسمي القدوس” (لا 22: 2) وأشعياء رأى السيرافيم يسبحون الله ” وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض” (أش 6: 3) الله هو القدوس واسمه قدوس “لأنه هكذا قال العلي المرتفع ساكن لا بُد القدوس اسمه” (أش 57: 15) ورنم المرنم قائلًا “لأنه به تفرح قلوبنا لأننا على اسمه القدوس اتكلنا” (مز 32: 21).
والسيد المسيح الإله المتأنس إنفرد بهذه الصفة الإلهية، ومن أمثلة الذين شهدوا لقداسته:
1- رآه أشعياء النبي بعين النبوءة وشهد لقداسته قائلًا “أنه لم يعمل ظلمًا ولم يكن في فمه غش” (أش 53: 9) ورآه دانيال أيضًا ودعاه ” قدوس القدوسين” (دا 9: 24) فالسيد المسيح وحده هو القدوس. أما كل إنسان آخر فهو قديس لأن قداسته نسبية ومكتسبة، ولا يمكن أن نطلق على أي إنسان لقب قدوس.
2- قال الملاك جبرائيل للعذراء مريم ” فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله” (لو 1: 35).
3- وقف السيد المسيح يتحدى اليهود المقاومين مع الحاسدين والحاقدين وقال لهم ” من منكم يبكتني على خطية” (يو 8: 46) وقال “رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء” (يو 14: 30).
4- في الرسالة إلى ملاك كنيسة فيلادلفيا قال السيد المسيح عن نفسه ” هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود” (رؤ 3: 7).
5- يهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه شهد بقداسته قائلًا “قد أخطأت إذ سلمت دمًا بريئًا” (مت 27: 4).
6- أرسلت امرأة بيلاطس إلى زوجها قائلة ” إياك وذاك البار. لأني تألمت اليوم كثيرًا في حلم من أجله” (مت 27: 19).
7- بيلاطس البنطي الذي حاكم السيد المسيح ” أخذ ماء وغسل يديه قدام الجميع قائلًا إني برئ من دم هذا البار” (مت 27: 24).
8- شهد اللص اليمين بقداسة المصلوب فقال للص الآخر ” أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا. وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محله” (لو 23: 41).
9- قائد المئة الذي كان واقفًا عند الصليب ” فلما رأى قائد المئة ما كان مجَّد الله قائلًا بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا” (لو 23: 47).
10- شهد بولس الرسول قائلًا “لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا” (2كو 5: 21).. ” مجرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية” (عب 4: 15).. ” لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شرٍ ولا دنسٍ قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات” (عب 7: 26).
11- شهد له بطرس الرسول أمام اليهود قائلًا “ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار” (أع 3: 14) وقال أيضًا ” الذي لم يفعل خطية ولا وُجِد في فمه مكر” (1بط 2: 22).
12- شهد له يوحنا الإنجيلي قائلًا “وتعلمون أن ذاك أُظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية” (1يو 3: 5).
13- صلى الرسل قائلين ” لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل” (أع 4: 27).
وكان السيد المسيح المثل الأعلى في طهارة السيرة والمبادئ والأخلاق، فقال عنه الفيلسوف الشهير يوستين “إن المسيح لم يتكلم بالكذب مطلقًا، ولا همَّ بخطية أبدًا، ولا اقترف ذنبًا، ولا ارتكب إثمًا، ولا أعاب أحدًا ولا أذاه. ولا منع طلبًا ولا رد سائلًا ولا أعرض عن مستغيث”
ويقول المؤرخ فيليب شاف ” هنا قدس الأقداس البشرية. لم يعش أحد كما عاش المسيح الذي لم يؤذ أحدًا ولم يستغل أحدًا، ولم ينطق بكلمة عاطلة، ولم يرتكب عملًا خاطئًا. والانطباع الأول الذي يسود علينا عن حياة المسيح هو البراءة الكاملة والعصمة من الخطية وسط عالم فاسد. فهو وحده -لا سواه- كان بلا عيب في طفولته وشبابه ورجولته، ولذلك فالحمل والحمامة رمزان مناسبان لطهارته، وبعبارة موجزة هو الكمال المطلق الذي يرفع شخصيته فوق مستوى البشر ويجعله معجزة العالم- الأخلاقية، وهو التجسد الحي للفضائل والقداسة وأسمى مثال لكل صلاح ونقاء ونبل في نظر الله والناس. هذا هو يسوع الناصري الإنسان الكامل في جسده ونفسه وروحه، ولكنه يختلف عن البشر جميعًا هو الفريد من طفولته إلى رجولته، الذي عاش في إتحاد دائم بالله، تفيض محبته على الناس، خال من كل عيب وشر، مكرَّس لأقدس الأهداف. كانت تعاليمه وحياته في توافق تام، وختم أطهر حياة بأسمى موت. أنه النموذج الوحيد الكامل للصلاح والقداسة ”
(G. S. Lewis, Mere Christianity, Macmillan + Kenneth Latourette, A History of European Marals from Augustus to Charlemagne, D. Appleton and Co.) (35).
وقال الأديب الروسي الشهير تولستوي ” إن المسيح برهن على ألوهيته بسلوكه أكثر منه بتعاليمه” (36).
وقال الفيلسوف ميل ” لقد أحسن الدين المسيحي في اختيار هذا الشخص (المسيح) كنموذج كمال الإنسانية ومرشد البشرية لأنه يصعب الآن حتى علينا نحن غير المؤمنين أن نقتفي آثار الفضيلة ونتزين بجمالها بدون أن نحيا حياة يسندها المسيح وتقع موقع الاستحسان منه” (37).
وقال أيضًا ميل ” سيظل المسيح باقيًا كينبوع لا ينضب تستقي منه الإنسانية وتغسل من دمه أدرانها فتتجدد” (38).
حقًا لقد عاش السيد المسيح حياة الكمال المطلق، فيقول القمص بيشوي عبد المسيح ” كماله المطلق ووجدانه العجيب نحو حب الناس وخدمتهم، وبلوغه إلى أعماق النفس البشرية في كرازته وتعاليمه، ومعجزاته الخارقة، وتضحيته الباذلة حتى الصليب، والموت لأجل خلاص جنس البشر.. كل هذا لا يدع مجالًا للشك في أنه ليس بشرًا ولا نبيًا ولا رئيس أنبياء، لكنه هو الله بعينه متجسدًا ومتأنسًا وقد أخفى في ذاته ضياء المجد الإلهي لكي نراه ونعرفه ونحبه ونتمثل به ونعايشه ونتلامس معه ونخدمه ونعبده.. كان المسيح يجول يصنع خيرًا، وكان يحتمل الآلاف تزحمه وتحيط به وتطلب معونته، وكان يخدمهم من الصباح إلى المساء بدون كلَّل أو تذمر، ولقد كان فيما يخدم به الناس سعيدًا كل السعادة.. كان يصل الليل بالنهار يخدم الناس ولم يكن له أين يسند رأسه، وفي خدمة المسيح للبشرية نستدل من أعماله على لاهوته.. أعلن السيد المسيح بمجيئه محبة الله لكل البشر بغير تمييز بين جنس أو لون أو شعب أو مذهب، ولقد تمكن الناس أن يروا الله في شخصه”